رئيس جمعية رعاية الطّفولة بالوادي منصور منصور:

مُكتسبات تُكرّس مكانة الطّفولة..وجمعيات لا تُلبّي تطلّعاتها      

حوار: سفيان حشيفة

الاستخدام السّلبي للتكنولوجيا يَجمّد أفكارهم وإبداعاتهم

 تَعَزّز مجال الطفولة في الجزائر بحماية تشريعية ودستورية خاصة، منحها اهتماما ورعاية بالغيْن وحظوة متميزة في المجتمع، لا سيما في دستور أول نوفمبر 2020، الذي رَسّخ مكانتها أكثر وثمّن مكتسباتها في التعديلات الدستورية السابقة.  ولتسليط الضّوء أكثر على واقع الطفولة في الجزائر، بمناسبة يومها العالمي 01 جوان، أجرت «الشعب ويكاند» حوارا مع رئيس جمعية رعاية الطفولة بالوادي منصور منصور، الذي قدّم معطيات حول وضعية الفئة باعتبارها لبنة أساسية للمجتمع والأمة، مبرزا مكتسباتها المحققة، وآفاق ترقية حقوقها وتجسيدها على أرض الواقع، تماشيا والظروف الإجتماعية المستجدة التي باتت تميّز الراهن وظواهره السلوكية المتشعبة، المنعكسة سلبا على عالم الطفولة.

- الشعب ويكاند: خطت الجزائر شوطا كبيرا في مجال حقوق الطفولة، كيف تقيّمون المسار التّشريعي الخاص بحمايتها في بلادنا؟
 رئيس جمعية رعاية الطفولة منصور منصور: الطفولة تعد شريحة كبيرة وهامة في المجتمع الجزائري، لذا كان واجبًا رعايتها وحمايتها من الانحراف، خاصة أنّ بلادنا من بين أوّل الدول في العالم التي صادقت على الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20 نوفمبر 1989م.
وبعد المصادقة على هذه الإتفاقية، التي شكّلت منعرجا حاسما في العالم ضمن مجال حقوق الطفولة، وسعيا حثيثا من أجل توفير جو مستقر وآمن لها، كونها لبنة أساسية لتكوين الفرد الصالح والمجتمع المتحضر، عملت كل الدول المنضوية تحت الهيئة الدولية على سنّ قوانين تشريعية خاصة بها تُطبّق وتُفعّ،ل وتحافظ فيها على بنود الإتفاقية المصادق عليها.
وفي هذا الإطار، شَرَعَ المشرّع الجزائري مباشرة بعد المصادقة على اتفاقية حقوق حماية الطفولة في 19 ديسمبر 1992م، في سنّ عدة قوانين تحمي هذه الفئة الهشة، من بينها تخفيف العقوبات على الأطفال القصّر، تنظيم السجون لمجرمي الأحداث صغار المحبوسين بفصلهم عن الكبار في المؤسسات العقابية، تشكيل لجنة لإعادة التربية في مراكز خاصة وأجنحة للأحداث، كما عملت الدولة على فتح مراكز لإعادة التربية، وإنشاء مصالح ومؤسسات وهيئات رسمية لحماية ورعاية الطفولة، يشرف عليها مختصون نفسانيون ومربّون في العديد من المجالات لتعليمهم وتوجيههم، وصقل مواهبهم حسب ميولاتهم ورغباتهم، مع إتاحة فرص العمل لهم بغية إعادة إدماجهم  اجتماعيا.
- بالرغم من المكتسبات هناك حديث عن نقائص، ما هي حسب اطلاعكم؟
 بالطبع، حقّقت شريحة الطفولة في الجزائر عدة مكتسبات، منها إصدار قانون حماية الطفل سنة 2015م، وترسيم 15 جويلية من كل سنة يوما وطنيا للطفل الجزائري، وكذا اعتماد الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة كهيئة رسمية من طرف رئيس الجمهورية، إضافة إلى عدة مكتسبات في العديد من المجالات التربوية، الصحية، والثقافية ببناء مراكز ومرافق ترفيهية، لكنها تبقى غير كافية سواء من ناحية التأطير أو الهياكل أو البرامج التي لا تغطي حاجيات ومتطلّبات هذه الفئة الكبيرة في المجتمع.
- حدّثنا عن واقع الأطفال الأيتام، ذوي الاحتياجات الخاصة ومجهولي الهوية، وكيف تتعاملون كجمعية مع هذه الفئات الهشّة؟
 لدينا في الجزائر شريحة كبيرة أخرى من الأطفال تعيش ظروفا صعبة، وتحتاج إلى رعاية خاصة كفئة صغار الأيتام التي يصل تعدادها إلى أكثر من 800 ألف يتيم، حسب أرقام الهيئة الوطنية لترقية الصحة، ممّا يتطلّب توفير رعاية ومتابعة  دائمة لها.
ومن حاجات الطفل اليتيم الدعم المادي المباشر، ومن الضروري بقائه في الوسط العائلي من أجل الحفاظ على الرابط الاجتماعي التواصلي، وذلك من خلال تنظيم عمل كل الهيئات والمنظمات والجمعيات عن بعد، وتوسيع دائرة الاهتمام بكفالة الأيتام ومتابعة شؤونهم بشكل مستمر، كون أن  كفالتهم عن بعد مفيدة للحفاظ على روابط وصلات القربى وتفادي الانحراف.
وبخصوص ذوي الاحتياجات الخاصة من الأطفال، لازالت هذه الفئة في الجزائر تواجه العديد من الصعوبات، فبالإضافة إلى مشاكل العلاج وتوفير بعض الأدوية، تبقى المعاناة مطروحة اجتماعيا مع نقص الأجهزة وزهد المنحة المخصصة لهم مقارنة بباقي الفئات، ناهيك عن مشاكل أخرى تواجههم في الفضاءات العمومية والشوارع على ضوء عدم وجود ممرات خاصة بهم في الغالب، لذا بات من الضروري تفعيل وتطبيق القوانين، وإتاحة كل الظروف التي تساعد هذه الفئة على العيش بكرامة.
وبالحديث عن فئة الأطفال «مجهولي الهوية»، الذين لا يتمتّعون بأدنى حقوقهم الاجتماعية والقانونية، ويعانون من التهميش والاحتقار والنظرة الدونية من المجتمع، تسبّبت لهم في حالات نفسية صعبة، فإنّ تسوية وضعياتهم لابد أن تكون عبر سن قوانين تشريعية وآليات أكثر مرونة، تسهم في إعادة إدماجهم في المجتمع، وحمايتهم من كل أنواع الانحراف والاستغلال.
ونحن كجمعية نعمل على استقطاب أكبر عدد ممكن من هذه الفئة الهشة في المجتمع، التي تحتاج حماية ورعاية خاصتيْن، والتكفل بهم ماديا ومعنويا حسب الإمكانيات المتوفرة، وذلك بالتعاون والتنسيق مع مختلف الهيئات والمنظمات والجمعيات الفاعلة والمهتمة، وكذا العمل على توفير جو ومناخ حسن يساعدهم على العيش بكرامة.
- انتشار الآفات الاجتماعية وعنف الشارع ألقى بضلاله على الأطفال، ما العمل لحمايتهم من وجهة نظركم؟
 شهدت الجزائر خلال السنوات المنقضية انتشارا للآفات الاجتماعية بمختلف أشكالها، مثل المخدرات والمهلوسات، التسول، التشرد، التحرش الجنسي، الاستخدام السلبي للتكنولوجيا، الجريمة والعنف الجسدي واللفظي، وكلها ظواهر وسلوكيات سلبية أدت لتدني المستوى الاجتماعي والانحلال الأخلاقي، وأثّرت بشكل مباشر وغير مباشر على الأطفال نفسيا وجسديا وأخلاقيا.
أعتقد أنّ حمايتهم من هذه الآفات وأضرارها السلبية يعتمد على تحقيق خمسة عوامل، أوّلها التربية والتوعية من خلال دور الأبوين في ترسيخ الأسس والقيم الخلقية لدى أبنائهم، وتعليمهم كيف يفرقون بين الخطأ والصواب، وتوجيههم بشتى الطرق والوسائل المتاحة، أما ثانيا الرقابة والمرافقة باعتبارهما إحدى أهم الطرق  الناجعة والمفيدة التي تساعد على وقاية وحماية الطفل من الوقوع في براثن الآفات الاجتماعية.
العامل الثالث يتمثل في الاستعانة بمختصين اجتماعيين ونفسانيين للحد من تأثير الآفات، وإيجاد الحلول المناسبة للتخلص منها وحماية الطفل من خطرها، رابعا تفعيل القوانين الردعية عبر سن الدولة لتشريعات صارمة لمواجهة الآفات الخطيرة، خاصة المخدرات والتسول والعنف ضد الأطفال،  ومعاقبة مرتكبيها للتقليل من انتشارها.
وخامس عامل تحقيق انخراط الأطفال في سن مبكرة ضمن النوادي والورشات العلمية والثقافية والرياضية التابعة للمؤسسات والمراكز والجمعيات بإشراف مختصين في المجال، ما من شأنه ملء فراغ الطفل واكتشاف وصقل مواهبه، يضاف لكل ذلك دور المربي والمعلم في المدرسة، والإمام في المسجد، لتحقيق تربية وتوعية وتوجيه للأطفال وحمايتهم من مخاطر الوقوع بمصيدة الآفات الاجتماعية.
- العنف ضد الأطفال والاختطاف أرهق الأولياء، ما الذي يمكن فعله للحد من هذه الظّواهر الخطيرة؟
 هناك عدة ظروف أدت لظهور العنف ضد الأطفال والاختطاف، وأرى أنهما بدوافع وأسباب أسرية، نفسية، اجتماعية واقتصادية، يُضاف لهما العنف النفسي والعاطفي وعبر الإنترنت والتنمّر والإهمال، حيث عرفت الجزائر في السنوات الأخيرة انتشارا كبيرا لهذه الظواهر الدخيلة على مجتمعنا، وأصبحت بالفعل تشكّل هاجسا وكابوسا مرهقا للأولياء.
ولمعالجة هذه الظواهر والحد منها، لابد من العمل على تكثيف الوعي الديني والأخلاقي والتربوي، وتعريف المجتمع بحقوق الطفل، تحديد مهام وصلاحيات المربين، وضع قوانين تشريعية تضبط أساليب وطرق التعامل مع الأطفال في المدارس والمؤسسات والمراكز التي تحتضنهم، تفعيل وتعزيز الدور الإعلامي في مجابهة هذه الظواهر، مراقبة الجمعيات الناشطة في هذا المجال من طرف الهيئات الرسمية وبصفة دورية، محاربة التسرب المدرسي، توفير الوسائل الترفيهية النافعة ومحاربة العديد من الوسائل التكنولوجية والمغريات التي أثرت سلبا على سلوكيات الفرد والمجتمع.
- نعمة التكنولوجيا تحوّلت إلى نقمة ثقيلة على عالم الطفولة، كيف السّبيل لتحييدهم عن تلك المؤثّرات الجانبية؟
 بالرغم من كل ما أسلفنا ذكره حول حماية حقوق الطفل محليا ودوليا، وحرص العديد من المؤسسات والهيئات والمنظمات والجمعيات على الاهتمام بهذه الشريحة، وتوفير ظروف ملائمة لتنشئتها، والعمل على تطوير قدراتها وتهذيب سلوكياتها، إلاّ أن هناك عوامل عصرية مستجدّة أثّرت سلبا على نمطية تعليمها وحَدّت من مهاراتها، من بينها طغيان استعمال الوسائل التكنولوجية في المجتمع، واستخدامها من طرف الأطفال بطريقة مفرطة وغير عقلانية، ارتدّت سلبا عليهم نفسيا وعاطفيا وحتى أخلاقيا، وجَمّدت أفكارهم وإبداعاتهم وابتكاراتهم.
وفي هذا السياق، نعتقد أنّ الطّريقة الأنجع لتحييدهم عن مختلف المؤثرات الجانبية، وفي مقدمتها الاستخدام السلبي لوسائل التكنولوجيا، تكون من خلال استعمال عقلاني ومعتدل لتلك المؤثرات، يتأتى من خلال مرافقتهم ومراقبتهم وتوجيههم، وتوعيتهم بمخاطرها لحمايتهم من الانحراف، وتراجع مستوياتهم التعليمية وتقويض وكبت مهاراتهم.
- ما تقييمكم لما تقوم به الجمعيات الناشطة في المجال؟
 يوجد الكثير من الجمعيات والمنظمات الناشطة في مجال حماية وترقية الطفولة في الجزائر، لكن مردودها بقي محدودا، ولا يلبي شروط وحاجيات شريحة الأطفال وتطلعاتها الحياتية المنشودة في عيش آمن ومستقر، يضمن تنمية مداركها بطرق علمية متطورة، ويصقل مواهبها.
ومن جملة النقائص، عدم استفادة الجمعيات الناشطة من مقرات ومراكز قارة ودائمة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الأطفال، نقص الكفاءات والإطارات  المختصة في التدريب والتعليم، وأيضا نقص الدعم المادي للجمعيات الفاعلة في هذا المجال، وعوامل أخرى مساهمة في ضعف مردودها كقوة فاعلة لترقية وحماية الطفولة.
- هل ساهمت الجمعيات كقوّة اقتراح في تعزيز قوانين حماية الطفولة؟ وفي أي الجوانب كانت التدخلات؟
 عملت العديد من المنظمات والجمعيات الفاعلة في المجال على تعزيز حقوق الطفل في محطات ومناسبات وطنية كثيرة، مع الحرص على تطبيق قوانين حمايته ميدانيا في حياة الأسرة والمجتمع، وتنظيم ندوات وملتقيات محلية ودولية للدفاع عن حقوق هاته الشريحة.
وشدّدت على سن قوانين ردعية لحماية الطفولة وضمان حقوقها وصون مكتسباتها، تخص عدة جوانب حساسة مثل منع تعرضهم للعنف الجسدي واللفظي والقتل أحيانا، وغيرها من السلوكيات المجتمعية السلبية.

- ماذا عن تجربة جمعيتكم في الميدان، وأساليب تنشئة الطّفل التي لمستم فيها نجاعة؟
 تأسّست الجمعية الولائية لرعاية الطفولة لولاية الوادي سنة 1992م، تحت شعار «صحة، رعاية، تربية»، وتعتبر من بين أقدم الجمعيات الرائدة في مجال حماية ورعاية وترقية الطفولة، كان لها تجارب ميدانية في عدة مجالات، وأساليب مختلفة ومتنوعة لاستقطاب وجلب أكبر عدد ممكن من الأطفال، عن طريق تشكيل نوادي وورشات متنوعة مثل الرسم، الأناشيد، الخط، المطالعة، تحفيظ القرآن، اللغات، إعادة التدوير، الأشغال اليدوية، الشطرنج، السباحة، المسرح.
ومن خلال تلك الورشات الدائمة تمّ اكتشاف إبداعاتهم وتوسيع مداركهم وتفجير مواهبهم، مع إشراكهم في العديد من النشاطات والمناسبات وإحياء الحفلات، وتنظيم خرجات وجولات ومخيمات صيفية، بالإضافة إلى القيام بندوات وملتقيات وحملات تحسيسية وتوعوية، ومتابعة نفسية يشرف عليها متخصصون في مجال الطفولة بانتهاج أساليب وطرق ووسائل حديثة، من شأنها المساهمة وبصفة مباشرة في تنشئة طفل سليم مثقّف ومتعلّم، متميّز بسلوك وأخلاق وقيم تساعده على أن يكون فردا ناجحا ونافعا لوطنه وأمّته.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024